مقال عن وصايا لقمان لابنه
لقد أوصى لقمان الحكيم ابنه بوصايا متعدّدة، ورد ذكرها في سورة سمّيت باسمه في القرآن الكريم، وهذه الوصايا حسب ما وردت في القرآن الكريم هي:
- التحذير من الشرك بالله.
- الإحسان إلى الوالدين.
- مراقبة الله عزّ وجلّ للإنسان.
- الأمر بإقامة الصلاة.
- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
- الصّبر عن الشدائد.
- التّواضع والنّهي عن التكبّر.
- خفض الصّوت عند التحدّث مع الآخرين.
التحذير من الشرك بالله
💥قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ) سورة لقمان، 13، ووصيّته له كانت: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان، 13، والشّرك بالله له عدّة صور، فهو لا يعني عبادة الأصنام فقط، بل له صور عدّة، فقد قال بعض العلماء: من تولّه بلعبة حتّى قدّمها على حُبِّ الله، ووالى من أجلها، وعادى من أجلها؛ فقد أشرك بها، لقوله سبحانه وتعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) سورة الجاثية، 23.
💥قال ابن القيّم: ليس العجب من قوله يحبّونه؛ فإنّهم يحبّونه لأنّه مُنعم، لكنّ العجب من قوله يحبّهم، خلقهم، ورزقهم، وأحياهم، وأعطاهم، ثمّ قال: يحبّهم. (1)
💥إنّ أهمّ واجب من واجبات الوالدين اتجاه أبنائهما هو الاهتمام بهم، وغرس عقيدة التوحيد في نفوسهم، وتوجيههم نحو محبّة الله عزّ وجلّ ونبيه صلّى الله عليه وسلّم، وتعليمهم أنّ حبّ الله يجب أن يكون في قلوبهم أكبر من حبّ والديه أو نفسه، وأنّ عليهم أن يؤمنوا بالله سبحانه وتعالى، وملائكته، والرّسل أجمعين، وأن يوحّدوا الله عزّ وجلّ توحيد الألوهيّة والرّبوبيّة، لأنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو الدّافع للإنسان ليتجه للخير، والسّبب لعناية الله عزّ وجلّ له، وتوفيقه إياه. (2)
💥وهناك أشكال عديدة للشرك بالله عزّ وجلّ، منها ادّعاء وجود إله آخر مع الله عزّ وجلّ، ومنح سواه أسماءه وربوبيّته، مثل النّصارى الذين جعلوا الله عزّ وجلّ ثالث ثلاثة، أو شرك المجوس الذين قالوا بأنّ الخير عائد إلى النّور، والشرّ عائد.
الإحسان إلى الوالدين
قال سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة لقمان، 14-15.
من أبرز صور الرّحمة في هذه الدّنيا عطف الوالدين على أبنائهم، وهذا يوجب على الأبناء أن يقابلوا ذلك كله بالرّحمة والعطف اتجاه والديهم، من خلال خفض جناح الذّل من الرّحمة لهما، وأن يدعو لهما بالرّحمة والمغفرة، وعطف الوالدين على أبنائهم هو فطرة فطر الله عزّ وجلّ كلاهما، ولذلك يعدّ برّهما من أهمّ الواجبات على الأبناء، ويعدّ عقوقهما كبيرةً من الكبائر التي حذّرنا منها الدّين الحنيف، حيث يعدّ ذلك مقارباً للشرك بالله عزّ وجلّ، وولذلك فإنّ الله قد أمرنا بالإحسان إليهما في مواضع كثيرة، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًً..) سورة النساء، 36 .
وفي هذه الوصيّة يوضّح لقمان لابنه علاقة كلّ من الوالدين والأطفال بأسلوب رقيق، وفي ذلك صورة توحي بالرّقة والعطف، ومع ذلك فإنّ الرّابط العقائديّ مقدّم على علاقته بالوالدين، ولذلك فإنّ شكر الوالدين يأتي في المرتبة التّالية لشكر الله عزّ وجلّ.
مراقبة الله عز وجل
وفي ذلك إقرار من لقمان لابنه بأنّ الله عزّ وجلّ هو عالم الغيب وحده، وأنّه المطلع على ما في السّرائر، ولا تخفى عليه في هذه الدّنيا أيّ خافية، فهو قريب من عباده، ويعتبر ذلك من تقرير العقيدة والتّوحيد ، قال سبحانه وتعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) سورة لقمان، 16.
وفي هذه الآية الكريمة إقرار أيضاً بمدى قدرة وعظمة الله عزّ وجلّ، فقد قيل: إِنّ الْحسّ لَا يدْرك للخردلة ثقلاً، إِذْ لَا ترجح ميزاناً. ومعنى ذلك أنّه لو كان للإنسان أيّ رزق ولو بمقدار حبّة من خردل ساقها الله عزّ وجلّ إلى من كانت رزقه، والمطلوب من الإنسان في هذه الحالة أن لا يشغل نفسه عن الفرائض أثناء سعيه للرّزق.
🌽وكذلك فإنّ في الآية الكريمة توجيهاً إلى الالتفات إلى قدرة الله عزّ وجلّ الكبيرة، وإحاطته بكلّ صغيرة وكبيرة علماً، وإحصائه لكلّ شيء عدداً، ومن الآيات التي تدلّ على اتساع علم الله عزّ وجلّ، وقدرته الكبيرة، قوله سبحانه وتعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) سورة الأنعام، 59 .
الأمر بإقامة الصلاة
قال سبحانه وتعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور) سورة لقمان، 17 ، والصّلاة هي أوّل أمر يحاسب عليه الإنسان في يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إِنّ أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وأنجح، وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر …) رواه الترمذي .
اهتمّ الإسلام بالصّلاة اهتماماً عظيماً، وأمر المسلم بالمحافظة على أدائها سواءً أكان في الحضر أم في السّفر، أو حالة الأمن أو الخوف، قال سبحانه وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) سورة البقرة، 238 ، وذلك لما للصلاة من أثر تربويّ على النّفوس، واطمئنان القلوب، وإصلاح الفرد والمجتمع على حدّ سواء